إن إمام دار الهجرة رضي الله عنه كان له في المدينة مجلسان للدرس : مجلس للمسائل ، ومجلس آخر للحديث ، وقد انعكس اختلاف طبيعة المجلسين على تلامذة الإمام مالك من الأندلسيين وغيرهم ، ويمكن التحقق من مظاهر هذا الاختلاف عند تلميذي مالك المصريين : ابن وهب ، وابن القاسم ، وكـذا في قصة جمع الأسدية والمدونة عند الإمامين : أسد بن الفرات ، وسحنون بن سعيد التنوخي .
وقد كان لهذا الاختلاف – كذلك – أثر كبير على الأندلسيين الأوائل من تلامذة مالك رحمه الله ، ونستطيع القول : بأن المذهب المالكي بالأندلس عرف اتجاهين داخل نفس المدرسة الفقهية ، ومنذ نشأتها المبكرة .
1 – اتجاه فروعي مقلد .
2 – واتجاه تأصيلي متبع .
ويبدو ذلك جلياً لكل من أمعن النظر في تاريخ المذهب المالكي بالأندلس وأعلامه وتواليفه .
وفي هذا البحث أدلة على أن الاتجاه الأول هو الغالب في الأندلس ، وقد اتخذ طابع التمسك بفروع المذهب ومسائله ، مع قلة البضاعة ، أو عدم الدراية في علم الحديث والأثر ، والانصراف عن علوم السنة إلى الفقه المحض المجرد عن الأدلة .
ومما يؤسف له : إن المدرسة المالكية في الأندلس سلكت هذا المسلك في بداية نشأتها وظهور أمرها ، وفي ظني أن أول من خط هذا الاتجاه بالأندلس هو : قرعوس بن العباس بن قرعوس تلميذ مالك ، وراويته ، ومن أوائل الذين أدخلوا المذهب إلى الأندلس .
ولكن مـع ذلك كله ، فقد شق تيار الاتباع والدليل طريقه جنباً إلى جنب مع التيار الأول ، ومنذ زمن مبكر – أيضاً – كما ستجد في هذا البحث .
وقد وجدت – بعد أن استقريت كتب تراجم فقهاء المالكية – أن أول من خط هذا الاتجاه في الأندلس : هو نفسه أول من أدخل المذهب المالكي ، موطأ مالك إليها ، وهو فقيه الأندلس ، زياد بن عبد الرحمان القرطبي الملقب بشبطون المتوفي سنة 204 هـ تلميذ مالك رضي الله عنه .