الأعداد السابقة
المجلد :16 العدد : 44 2001
أضف إلى عربة التسوق
تنزيل
ردود القرآن على ذوي الجحود والإنكار
المؤلف : د. أحمد بن أحمد شرشال
ردود القرآن على ذوي الجحود والإنكار
د. أحمد بن أحمد شرشال
القرآن الكريم معينه لا ينضب ، ولا يخلق على كثره الرد ، ولا تنقض عجائبه ، فقد جوى علوما جليلة ، ومن بين هذه العلوم : ردود القرآن على ذوي الجحود والإنكار فقد حفل كتاب الله بهذا النوع من علوم القرآن ، ولم يترك القرآن تلك الشبهات والاعتراضات والاقتراحات والطعون التي أثارها المنكرون والجاحدون بدون جواب ، بل أنزل الله آيات بينات ، لتنيدها ودحضها بالأدلة والبراهين المنوعة ، وإزالة آثارها من نفوس المؤمنين ، ولقنهم الإجابة الشافية .
وردود القرآن ومناقشاته تختلف من جدل المجادلين ، ولا ينبغي أن تقحم في باب الجدل المنطقي للمتكلمين ، فإن القرآن كتاب هداية وإرشاد وتشريع ، وما جاء فيه من أدله وبراهين ومناقشات هو نوع من أنواع البيان القرآني فحسب وإذا وجد منه ما يفهم الجدل في بعض الأدلة والبراهين ، فذلك غير مقصود كالآيات التي جاءت موزونة على نمط الشعر ، وكالآيات التي جاءت مسجوعة ومع هذا لا يقال بسبب وجود هذا أو ذاك : إن القرآن من قبيل الشعر ، أو من قبيل السجع ، فكذلك الآيات التي جاءت فيها براهين وأدله ، ووافقت مناهج الجدل للمتكلمين ، فإننا لا نسميه الجدل القرآني ، وإنما هو بيان وتفسير وردود ، وستظل تلك الأحوال النادرة مندرجة تحت البيان القرآني ، وهو أوسع مدلولا من جدل المتكلمين ، فحجج الله وبراهينه واضحة جليه ، يفهمها المخاطب ، ولا تحتاج إلى كد الذهن وإعمال الفكر .
وأهمية هذا الموضوع كبيره وصلته بالقرآن كصلة الفرع بالأصل ، بل إن علاقته بالقرآن كعلاقة الجزء بالكل ، وقد شغل حيزاً كبيراً من كتاب الله تعالى ، وإن ردود القرآن على مفتريات ذوي الجحود والإنكار أبلغ الردود وأصدقها وأحكمها وتضمنت حججاً عقلية يذعن لها المخاطب وينقاد .
وإن الشبهات التي أثارها الجاحدون ، ويثيرها أعداء الإسلام من وقت نزول القرآن وإلى يومنا هذا ، وإلى يوم الدين هي في جملتها متشابهة ، لا تخرج عن شبه السالفين ومنكراتهم ؛ لأن المكذبين والجاحدين في كل زمان ومكان يتشابهون في الطباع كما قرره القرآن ، ولا نحسب شبهة ترد على الإسلام إلا وفي القرآن العظيم الرد القاطع والبيان الشافي ، وإذا تتبعت آيات الرحمن وجدتها قد أتت بعدد كبير من شبه المنكرين والجاحدين واعتراضاتهم ونقضتها بالحق الواضح والبيان الكاشف في أوجز لف وأبلغه .
فإن المنكرين والجاحدين جاءوا بكلمات في حق الله تعالى ، وجاءوا بكلمات في حق الملائكة ووصفوا الرسول بأوصاف ، ونعتوه بنعوت شتى ، فأفاض القرآن في رد هذه المفتريات ، ودفع هذه الشبهات ، وأجاب عنها بأسلوب واقعي حيث ساق لهم الحقائق بطريقة يغلب عليها طابع الموازنة والاستشهاد بالواقع وضرب لهم الأمثال من أنفسهم ورد دعاويهم الباطلة .
ثم انتقلت ردود القرآن إلى جع شبهاتهم حول ذات الرسول ورسالته ، وفند جميع مزاعمهم ، وإن هذه الدعاوى والأمثال التي ضربوها للبني - e - والاقتراحات والاعتراضات تظهر عليها الحيرة والاضطراب والتناقض العجيب والتنافر المعيب فهم في أمر مريج .
ثم عالج القرآن نفيهم وإنكارهم للبعث والنشور بوسائل وطرق شتى عالج شبهاتهم بالدليل القاطع ، والبرهان الساطع ، والحجة الدامغة والتذكير البالغ ، تارة بلفت أنظارهم إلى خلق أكبر من خلقهم وأخرى يذكرهم بأنفسهم وأطوار نشأتهم وتارة أخرى يوجههم إلى ما تخرجه الأرض الميتة من الزروع والثمار ومرة أخرى بأخبار الله الصادقة المؤكدة ، وإذا لم يفلح هذا ولا ذاك مع طائفة بالغوا في الجحود والإنكار انتقلت ردود القرآن معهم إلى أسلوب التحدي والتعجيز ، بأن يكونوا حجارة أو حديداً ، أو خلقاً آخر ما يعظم عن