الأعداد السابقة
المجلد :18 العدد : 55 2003
أضف إلى عربة التسوق
تنزيل
التصور الإسلامي للبيئة
المؤلف : د. محمد زرمان
التصور الإسلامي للبيئة
دلالاته وأبعاده
د. محمد زرمان
إن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد أوليا اهتماماً كبيراً للبيئة في جميع حالاتها : حية ، وجامدة ، وأرشدا الإنسان إلى المحافظة عليها ، باعتبارها نعماً إلهية وحذرا من سوء استغلالها ، ودعيا إلى الانتفاع بها ، والتمتع بطيباتها في حدود الحاجة ، وعدا ذلك كله ضرباً من ضروب الطاعات التي يتقرب بها العبد من ربه .
ومن استقراء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتناول موضوع البيئة يمكننا تحديد المعالم الكبرى للتصور الإسلامي للبيئة والتي تنطبع في وعى المسلم أثناء تفاعله تفاعلاً إيجابياً مع تعاليم دينه ، ومنها : أن الله وحده هو خالق البيئة ومنظمها ، أن هذه البيئة متوازنة ومقدرة ومنسجمة في كيفها وكمها مع بعضها ، وهي في أصل وجودها خير كلها ، لأنها في ابتداء خلقتها نعمة إلهية تفضل بها الله سبحانه على خلقه ، والإنسان أهم عناصر البيئة وأبلغها تأثيراً فيها ، أن هذه البيئة قد سخرها الله للإنسان وجعلها منحة مبذولة له ، يتصرف فيها ، وينتفع بمواردها في إطار القيام بمهمة الخلافة في الأرض ، وأنها مقدرة بحيث تظل تتفجر بالخيرات ، وتجود بالأقوات ، وتكفي كل من عليها من البشر إلى أن يأذن الله بفناء العالم .
والقرآن الكريم قد حذر من الإساءة إلى البيئة والعبث فيها بأي شكل من الأشكال ، وعبر عن الاختلال الذي يمكن أن يصيبها أو يدمر بعض عناصرها أو يعطلها عن أداء وظائفها الطبيعية بالفساد ، والله تعالى لا يحب المفسدين .
وقد استطاع الفقه الإسلامي أن يتمثل المبادئ والتعاليم التي وضعها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، وأن يستخلص منهما المقاصد العامة التي تكفل للبيئة سلامتها وتلزم الأمة بصيانتها ، وتحرم العبث بمواردها .
وبمقارنة بسيطة لأبجديات التصور الغربي للبيئة ولأزمة التلوث بمعالم التصور الثقافي الإسلامي تبين لنا أن الإسلام قد ضم بين دفتيه منظومة عقائدية وتشريعية متكاملة ، وأنه يحمل في نصوص الوحي
– قرآناً وحديثاً – بذور فقه بيئي متميز ، بإمكانه تقديم رؤية متوازنة عن مختلف قضايا البيئة ، ومعالجة جذرية لمظاهر التلوث ، تبدأ من أصلها الذي انطلقت منه ، وهو إعداد الإنسان الواعي الملتزم بأحكام الشريعة المدرك لأبعاد العلاقة التي تربطه بالبيئة ومواردها المراعي – في نشاطه الحياتي – لحقوقه وحقوق الكائنات التي تشاركه الوجود فوق الأرض .