الأعداد السابقة
المجلد :12 العدد : 31 1997
أضف إلى عربة التسوق
تنزيل
التجسس وإفشاء الأسرار بين الحل والحرمة
المؤلف : د. توفيق يوسف الواعي
التجسس وإفشاء الأسرار بين الحل والحرمة
د. توفيق يوسف الواعي
الإسلام صان الأسرار ، وحرم التجسس ، وحفظ الكرامة ، وجعل هناك مساحة كبيرة مستورة ، تكون بين العبد وربه ، يراجع فيها نفسه ، ويخلو فيها بضميره ، ويستتر بستر الله سبحانه وتعالى ، فإن تاب من ذنب تاب الله عليه ، وإن أقبل إلى الله بمعصيته فأمره إليه إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه .
والحضارة الإسلامية حضارة إنسانية ، تتعامل مع الإنسان ، ومع مشاعره ، فليس هناك أفضل من ذلك الإنسان ، فكل شيء في خدمته وسعادته ، ومسخر لنفعه وراحته ، فالقانون في خدمته ، والسلطة في خدمته ، والمادة في خدمته ، وسره لا سلطان لأحد عليه .
إذن فالحضارة الإسلامية تخالف حضارة المادة التي تجعل الإنسان ترساً في عجلة الحياة ، أو حصاناً يجر عربتها ، أو دمية تلعب بها الأهواء والسياسات ، أو عبداً للسادة والكبراء .
لقد لعبت الحضارة الغربية
– اليوم – بالإنسان شعوراً ونفساً وذاتاً ، فجردته حتى من ثيابه ، وفضحته حتى في عقر داره ، وهتكت سره حتى مع زوجه ، واخترعت لذلك الوسائل وروجتها ، وامتلكها كل إنسان ، حتى بات الإنسان يخشى على نفسه من سره ، ويشفق على مستقبله من تفكيره ، فدرب نفسه على النفاق ، وعود نفسه على التمثيل ، ومرنها على الصياح ، لأنه يعلم أن لا رجعة في خطأ ، ولا ستر في عيب ، ولا رحمة في خطيئة ، مع أن الإسلام يشجع أصحاب الأخطاء بالستر والتوبة ، وأصحاب الهم بالسيئات بالثواب إذا رجعوا عنها .
فالإنسان المتجسس على صاحب الذنب هو المذنب ، وهو المعاقب ، وأباح الإسلام التجسس حينما أباحه إنما كان للحفاظ على حرية الإنسان من أن تنتهك عقيدته ، أو تستباح دياره ، أو يعتدى على نفسه أو ماله أو عرضه ، ولم يترك ذلك بغير شروط أو ضوابط شرعية ، وإنما حددها وبينها ، حتى لا تتخذ ذريعة للاعتداء والإهلاك والفضيحة .