الرواة الذين سكت عنهم البخاري في تواريخه ، كذا ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل أو غيرهما من أئمة الجرح والتعديل ، إذا سكتوا عن بعض الرواة في كتبهم فلا يعني أنهم ثقات ، وأن القول بتوثيقهم عار عن الصحة ، وليس عليه دليل إلا مجرد الدعوى ، فإن حالهم مختلف ، فبعضهم قد يكون مجهول العين ، وبعضهم قد يكون مجهول الحال ، وبعضهم قد يكون مستوراً ، وبعضهم قد يكون ضعيفاً ، وبعضهم قد يكون ثقة .
قاعدة ابن حيان التي ذهب إليها في توثيق الراوي من أن الرجل إذا روى عنه ثقة ولم يجرح من الأئمة الحفاظ ، ولم يأت بمتن منكر ، كان ثقة عنده ، فلا يعول عليها ، فإن أئمة الحديث وجهابذته لم يوافقوه عليها ، لسقوطها علمياً ، لأننا قد عثرنا على رواة ذكرهم في كتابة الثقات وهم مجاهيل ، وبعضهم متروك ، وبعضهم كذاب وضاع ، وبعضهم صرح هو بنفسه أنه لا يعرفهم .
وعليه : فلا يلتفت إلى توثيق ابن حبان إذا انفرد ، لتهاونه وتساهله ، فاعتماد الشيخ على هذه القاعدة يؤدي إلى توثيق ما ليس بثقة ، وتصحيح ما ليس بصحيح .
والعلماء على عدم توثيق عبد اله بن لهيعة ، وعدم قبول حديثه مطلقاً بلا قيد ، لأنه اختلط بعد احتراق كتبه في مصر ، فكان من جاءه بشيء قرأه عليه ، حتى لو وضع أحداً حديثاً وجاء به إليه قرأه عليه ، فمن ثم كثرت المناكير في روايته ، كما قال الخطيب البغدادي .
ويضاف إلى ما تقدم أنه كان يدلس عن أقوام ضعفاء ، على أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات ، كما قال ابن حبان .
فالقول بتوثيقه مطلقاً ، وتصحيح حديثه مطلقاً ، قـول فيه نظر ، إن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى بناء على تلك القواعد التي سار عليها قد صحح أحاديث ضعيفة ، وهي كثيرة ، وليست بالقليلــة ، علماً بأنه لم يطبع من المسند بتحقيقه إلا قرابة الثلث ، فكيف لو حققه كله ؟!
كما أنه في ضوء تلك القواعد قد صحح أسانيد أحاديث لمجيئها من طرق أخرى ، علماً بأن المنهج العلمي أن يقال في الحديث الذي جاء من طرق ضعيف : إسناده ضعيف ، والمتن صحيح أو حسن ، لا أن يقال فيه : إسناده صحيح ، أو إسناده حسن .
أن الاعتماد على هذه القواعد التي ذهب إليها الشـيخ أحمد شاكر يعني نصب المجانيق على السنة ، ونسف جذورها ، فتوثيق من لم تثبت وثاقته بالطرق العلمية الصحيحة المعروفة ، وتصحيح حديثه : فتنة عظيمة سيئة ، وعواقبها وخيمة .