التثبت في قبول الأخبار وروايتها في رسالات السماء
د. عزية طه
اليهود يعتبرون أن التوراة التي بين أيديهم الآن كتاباُ مقدساً ، وينسبون أصلها إلى سيدنا موسى عليه السلام ، هذا على الرغم من اعترافهم بأن سند التوراة منقطع بين سيدنا موسى عليه السلام ، وبين يوشيا بن آمون جامع التوراة ومؤلفها بزعمهم ، مما يترتب عليه أن تكون التوراة التي بين أيديهم ليست التوراة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على سيدنا موسى عليه السلام على سبيل اليقين ، ومن ثم تصبح جميع العبادات والعادات والأحكام التي تبنى عليها باطلة .
كذلك نجد أن النصارى يعتبرون الآناجيل التي بين أيديهم الآن كتاباً مقدساً منزلاً من الله سبحانه وتعالى ، على سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام ، وهذا على الرغم من أن سند الآناجيل منقطع بين مؤلفي الآناجيل ، وعيسى عليه السلام من جهة ، وبينهم وبين تاريخ اعتماد الآناجيل رسمياً من جهة أخرى ,
وإنه لمن الثابت تاريخياً : أن تلك الآناجيل اعتمدت في مؤتمر نيقية عام 325 م ، وأن تاريخ تأليف بعضهم للآناجيل بدأ عام 62م ، وإلى أن ختمت – بزعم النصارى – بتأليف يوحنا لإنجيله عام 93م .
كما نجد أن النصارى لجأوا لحجة واهية لإثبات أن تواتر الإنجيل غير منقطع ، زاعمين أن روح القدس أيد وألهم مؤلفي الأناجيل ، باعتبار أنهم كانوا من حواريي عيسى عليه السلام ، على الرغم أن هؤلاء المؤلفين مجهولو الحال والعين ، ولم يثبت لأحدهم لقاء سيدنا عيسى عليه السلام إطلاقاً ، وكل الأقوال الواردة في شأنهم مبنية على الظن والتخمين .
أما القرآن الكريم فلم يتعرض لأي تحريف أو تغيير ، لأن الله سبحانه وتعالى حفظه ، لقد كان لحفظ الكتاب بفضل الله وكرمه على البشرية ، ثم بجهود رسوله الكريم محمد- صلى الله عليه وسلم
– وجهود صحابته رضوان الله عليهم وتابعيهم ومن تبعهم أثر بالغ في صيانة الإسلام : عقيدة وشريعة ، ومنهجاً للحياة سليماً من التحريف والتبديل والتشويه الذي لحق بعقائد الأمم الأخرى .
فقد كانت وسيلة المسلمين في حفظ القرآن الكريم التلقي من النبي
– صلى الله عليه وسلم – مباشرة وحفظه في الصدور عن طريق التلقين مشافهة ، وتدوينه في السطور بمنتهى الدقة كذلك ، وتواتر نقله من السلف للخلف ، واستمر حفظه وتداوله ، وتحمل ذلك وأداؤه بنفس المنهجية منذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا ، وإلى ما شاء الله .
أما السنة النبوية الشريفة : فقد لقيت أيضاً عناية فائقة من السلف والخلف في حفظها وتداولها وتدوينها ، فالحديث النبوي الشريف قد جمع ودون بمنهجية دقيقة تمثلت في خلق ضوابط متعددة لضبط سنده من حيث عدد طرق هذا السند ، وتقسيمها تبعا لذلك إلى المتواتر والآحاد ، ثم تقسيم الحديث من حيث قوته وضعفه إلى مقبول ومردود ، فانقسم الحديث تبعاً لذلك إلى مراتب تتراوح بين الصحيح ، والحسن ، والضعيف ، ثم يليها الحديث الموضوع المختلق المكذوب على النبي
– صلى الله عليه وسلم - ، وذلك لتحذير المسلمين من أخذ الأخبار المردودة ، وبيان أوجه ردها ، سواء أكان سبب ردها سقطاً في سند الحديث ، أو طعناً في رواية .